جنوب إفريقيا تعيش هوس المونديال
جنوب إفريقيا تعيش أجواء كأس العالم
"أي
إنسان لديه المقدرة الآن على زيارة جنوب إفريقيا ولم يفعلها.. فقد أخطأ في
حق نفسه" هذا ما قاله لي صديقي ريتشارد عند استقباله لي في مطار
جوهانسبرج، بعدما أبديت له دهشتي من تحول المطار إلى "مول" تجاري كبير
لبيع تذكارات كأس العالم، بينما تمحورت جميع الإعلانات في صالاته الداخلية
وعلى جدرانه من الخارج، حول كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا.وإذا كان عميد المسرح العربي يوسف بك وهبي قد قال قديما "ما الدنيا إلا
مسرح كبير" فإنني أراها الآن "ليست إلا كرة قدم كبيرة" ليس لكونها كروية
الشكل، ولكن لأنها كروية المزاج وعاصمتها جنوب إفريقيا!إحدى المشكلات التي اعتقد البعض أنها ستؤثر على نجاح البطولة في جنوب
إفريقيا، كانت شعبية كرة القدم، فالجميع يعلم أن اللعبة تحتل المركز
الثالث في قائمة أكثر اللعبات شعبية في جنوب إفريقيا (بعد الرجبي
والكريكيت)، كما أن معظم هواتها من الطبقات الإفريقية السمراء الأقل دخلا
وقدرة على شراء تذاكر كأس العالم، إلا أن ما قامت به أمة "قوس قزح" يشبه
المعجزة في جذب اهتمام الناس –كل الناس- هناك لهذا الحدث الذي لا يتكرر
بسهولة في حياة دولة مثل جمهورية جنوب إفريقيا.فالحكومة مشغولة الآن بحفلات -وليس حفلة واحدة- الافتتاح، فهناك احتفال
شبه يومي بافتتاح كل منشأة وكل مشروع من المنشآت والمشاريع الرائعة التي
تم إنشاؤها على مدى السنوات الست السابقة، بالإضافة إلى حالة الترقب التي
تعيشها وزارة الداخلية يوما بعد يوم مع اقتراب موعد حفل الافتتاح والخوض
في غمار المونديال طوال شهر كامل، والبلديات تعمل على مدار الساعة لتجعل
مدنها أكثر بريقا وجمالا في عيون كل زوارها، وأولهم هؤلاء المقبلون من
زيورخ ببطاقات الفيفا المخيفة لتفقد المنشآت والتسهيلات التي تقدمها جنوب
إفريقيا للعالم.أما اللجنة المنظمة للبطولة، فهي مثل خلية النحل.. عمل دائب ونظام والتزام
بكل الوعود والعهود وإعلان يومي عن إنجاز فعلي على أرض الواقع، مع اعتراف
عالمي يزيد من همة كلّ من يعمل في هذه اللجنة، وكل من ينتمي لهذه الدولة.أجمل متعة في جنوب إفريقيا الآن هي التجول والمراقبة، فمجرد التجوال في
الشوارع أو في المراكز التجارية والمولات، وكذلك في مراقبة الإعلانات
وقراءة وجوه الناس ومشاهدة السيارات حاملة الأعلام واللافتات يشعرك بأنك
فعلا في عالم آخر، فالمصاعد والممرات كلها مغطاة بإعلانات كأس العالم،
محلات المفروشات تبيع قطع أثاث بألوان أعلام جنوب إفريقيا والدول الأخرى
المشاركة في البطولة، محلات لعب الأطفال تبيع فقط الألعاب المتعلقة بكرة
القدم والمونديال، المكتبات الرصينة تخلت عن وقارها لتتحول إلى كتب
ومعلقات وبوسترات وملصقات عن كأس العالم، سلاسل متاجر التجزئة تقدم عروضا
ومنتجات للمستهلكين حول الموضوع نفسه، حتى متاجر الألماس والتحف، والمطاعم
تشعرك بأنك داخل "جابولانى" كرة 2010 الشهيرة والمثيرة للجدل والمعروضة في
كل مكان في جنوب إفريقيا."نحن جاهزون" صرخة أطلقها الرئيس الجنوب إفريقي "زوما" في أول إبريل، ثم
توالت الاحتفالات، وبدأت جولة كأس العالم نفسه منذ الخامس عشر من
مايو/أيار الماضي تجوب مدن جنوب إفريقيا، وارتفعت أعلام الدول المشاركة
وانتشرت "الفوفوزولا" (زامرة جماهير جنوب إفريقيا الشهيرة) في كلّ مكان،
وأصبح "زاكومى" تميمة البطولة جزءا لا يتجزأ من حياة أي إنسان يعيش على
هذه الأرض، سواء كان من أهلها أو من زوارها، تجده في واجهة كل محل، على
فناجين القهوة، على أكواب الماء، على القمصان، على السيارات، يرحب بك بود
في محطات الوقود ويعبئ سيارتك بنفسه، يخدمك بحب في المقاهي ويستقبلك بمرح
في الفنادق.اللافتات التي تغطي ناطحات السحاب والجسور وعلى الطرق السريعة وداخل
المدن، أصبحت نشرة أخبار يومية مع العداد التنازلي المتواجد في كلّ ميدان
رئيسي بكل المدن، ليذكرك كم يوما وساعة ودقيقة وثانية باقية على بداية
الحدث الكبير.انصهر الناس جميعا لينخرطوا في حرارة هذا الحدث، كما تنصهر المعادن
الثمينة التي تتميز بها جنوب إفريقيا، لكي يستمتع ثلاثة مليارات نسمة من
محبي كرة القدم بأكبر حدث كروي على سطح المعمورة، ولكن لكي تشعر فعلا بهذا
الهوس والجنون والحماس والعشق -الذي غزا هذا الشعب تجاه هذه اللعبة- فإنك
لا بد من أن ترتاد حمامات فنادق هذه الدولة لكي تعرف كيف تسجل هدفا وأنت
تقضي حاجتك.. ألم نقل الجنون فنون؟